يقال إن التاريخ لايعيد أحداثه الا في الكوارث!! ومن يستعد وقائع الاستعمار الغربي لدولنا العربية وما ترك فيها وما اخذ منها يجد ان بعض المواقف حالياً هي صورة لما حدث في الماضي.
والمفكر مالك بن نبي يرحمه الله كان قارئاً وعالماً متميزاً ترك رصيداً فكرياً هو تحليل دقيق لخارطة الواقع الفكري والثقافي لمجتمعاتنا سابقاً وحالياً..
ولديه مشاهد سياسية تتكرر في كل مجتمع لم يتخل عن موقعه المتخلف!!
ومن هذه المشاهد مايتعلق بموقفنا بصفتنا شعوباً كانت (مستعمَرة) من قبل (الاستعمار) ومفهومنا عن (إرادة التغيير).. فيطرح بعض الصور التي تمثل في (الاولى) صورة طفل صغير وجمل قوي كبير.. فمن الطبيعي ان نرى الصبي رغم حداثة سنه يسيطر على الجمل القوي يقوده كما يشاء يميناً ويساراً بعصا او بدون عصا!! وبالطبع الصورة لاتحتاج الى شرح فهي توضح ان الجمل القوي يفقد بطبيعته شيئاً بسيطاً هو الإرادة التي ميز الله بها الآدميين.. وهذا الطفل قوي بالإرادة التي يتفوق بها جنسه على جنس الجمال..
اما الصوة (الثانية) فانها للطفل نفسه الذي كان يتصرف مع الجمل تصرف السيد مع المسود.. يتصرف هذه المرة مع رجل من جنسه من الآدميين وهو رجل اكبر منه سناً واقوى عضلاً ولكنه لايتمتع بقواه العقلية فهو (مجنون) او (معتوه).. فإن الطفل في هذا المشهد سيتصرف معه مثل تصرفه السابق مع (الجمل).. يأمره بالقيام وبالقعود وبالسير او الوقوف.. وسيستجيب هذا الرجل لأنه (فاقد لارادته) بينما الطفل رغم صغر سنه يتمتع بها..
اما الصورة (الثالثة) فان مالك استقاها من واقع العلاقة الاستعمارية بين الشعب الهندي في تلك المرحلة والشعب الانجليزي الذي كانت حكومته تستعمر الهند وتسرق مواردها..
ومجازاً كأنما (الطفل الانجليزي) رغم حداثة سنه يتصرف في (الرجل الهندي) رغم قوة جسمه!! وواقعاً يتمثل في ان انجلترا في تلك المرحلة كونت آلتها الصناعية خلال القرن التاسع عشر واستثمرت موارد الدولة المستعمرة وبنت نهضتها الصناعية.. من خيرات الهند ومواردها الاقتصادية.
وما يرغب مالك ان يصل اليه هو ان الصورتين الاولى والثانية تمثلان (حالة مرضية) ليس المريض فيها (الصبي) الذي يتصرف في الجمل وفي المعتوه.. وانما المريض هو (المعتوه).. وحالته تتطلب علاجاً سريعاً يعيد له إرادته ورشده.. اما لو بقينا نلوم هذا الصبي على سلوكه مع المجنون او المعتوه فإن هذا (اللوم) لن يعيد للمريض رشده وإرادته كما هي الحال عندما نلوم (المستعمِر) ونتوقع منه ان يصبح (مثالياً) و(عادلاً)... وننسى ان اللوم يقع على (المريض) الذي اصيب (بداء القابلية للاستعمار)!!
بعد هذا... لماذا نلوم الادارة الامريكية على دعمها للمحتل الصهيوني؟ وهل نتوقع منها (العدالة) او (الديمقراطية) في التعامل مع قضايانا المصيرية؟
اليس الأحق ان نتحد للتعاون في شفاء هذا الجسد العربي المريض؟؟ وهل الشفاء هو مسؤولية الحكومات فقط؟ ام الشعوب ايضاً؟! فكيف يمكن لهذه الشعوب ان تملك إرادة التغيير؟؟
اتكاءة الحرف
قال تعالى:{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم.. ويعفو عن كثير}